فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {واتل عليهم نبأ ابني آدم} قال: هابيل وقابيل لصلب آدم، قرب هابيل عناقًا من أحسن غنمه وقرب قابيل زرعًا من زرعه، فتقبل من صاحب الشاة، فقال لصاحبه: لأقتلنك...! فقتله. فعقل الله إحدى رجليه بساقه إلى فخذها من يوم قتله إلى يوم القيامة، وجعل وجهه إلى اليمن، حيث دارت عليه حظيرة من ثلج في الشتاء، وعليه في الصيف حظيرة من نار، ومعه سبعة أملاك كلما ذهب ملك جاء الآخر.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الحسن في قوله: {واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق} قال: كانا من بني إسرائيل ولم يكونا ابني آدم لصلبه، وإنما كان القربان في بني إسرائيل وكان أوّل من مات.
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي الدرداء قال: لأن استيقن ان الله تقبل مني صلاة واحدة أحب إليّ من الدنيا وما فيها، إن الله يقول: {إنما يتقبل الله من المتقين}.
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب التقوى عن علي بن أبي طالب قال: لا يقل عمل مع تقوى، وكيف يقل ما يتقبل؟...
وأخرج ابن أبي الدنيا عن عمر بن عبد العزيز. أنه كتب إلى رجل: أوصيك بتقوى الله الذي لا يقبل غيرها، ولا يرحم إلا عليها، ولا يثيب إلا عليها، فإن الواعظين بها كثير، والعاملين بها قليل.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن يزيد العيص: سألت موسى بن أعين عن قوله عز وجل: {إنما يتقبل الله من المتقين} قال: تنزهوا عن أشياء من الحلال مخافة أن يقعوا في الحرام، فسماهم الله متقين.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن فضالة بن عبيد قال: لأن أكون اعلم أن الله يقبل مني مثقال حبة من خردل، أحب إليَّ من الدنيا وما فيها، فإن الله يقول: {إنما يتقبل الله من المتقين}.
وأخرج ابن سعد وابن أبي الدنيا عن قتادة قال: قال عامر بن عبد قيس آية في القرآن أحب إليّ من الدنيا جميعًا أن أعطاه أن يجعلني الله من المتقين، فإنه قال: {إنما يتقبل الله من المتقين}.
وأخرج ابن أبي الدنيا، عن همام بن يحيى قال: بكى عامر بن عبد الله عند الموت فقيل له: ما يبكيك؟ قال: آية في كتاب الله. فقيل له: أيّة آية؟! قال: {إنما يتقبل الله من المتقين}.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله لا يقبل عمل عبد حتى يرضى عنه».
وأخرج ابن أبي شيبة عن ثابت قال: كان مطرف يقول: اللهم تقبَّل مني صيام يوم، اللهم اكتب لي حسنة، ثم يقول: {إنما يتقبل الله من المتقين}.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الضحاك في قوله: {إنما يتقبل الله من المتقين} قال: الذين يتقون الشرك.
وأخرج ابن عساكر عن هشام بن يحيى عن أبيه قال: دخل سائل إلى ابن عمر فقال لابنه: اعطه دينارًا فاعطاه، فلما انصرف قال ابنه: تقبل الله منك يا أبتاه فقال: لو علمت أن الله تقبل مني سجدة واحدة أو صدقة درهم لم يكن غائب أحب إلي من الموت، تدري ممن يتقبل الله؟ {إنما يتقبل الله من المتقين}. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله تعالى: {بالحقِّ} فيه ثلاثةُ أوجهٍ:
أحدُها: أنه حَالٌ من فاعل {اتْلُ} أي: اتلُ ذلك حال كونك مُلْتَبسًا بالحقِّ أي: بالصِّدق، وموافقًا لما في التَّوْراة والإنْجِيل.
والثاني: أنه حال من مَفْعُوله وهي {نَبَأ}، أي: اتلُ نبأهُمَا مُلْتَبسًا بالصِّدْقِ مُوافِقًا لما في كُتُب الأوَّلين لتثبت عليهم الحُجَّةُ برسالتك.
الثالث: أنه صِفَةٌ لمصدر {اتْلُ}، أي: اتْلُ ذلك تلاوةً مُلْتَبِسة بالحقِّ والصِّدٌ كافَّة.
وَالزَّمَخْشَرِيُّ به بدأ، وعلى الأوْجُهِ الثلاثة ف «البَاءُ» للمُصَاحبة وهي متعلِّقَة بمحذُوف.
وقَرَأ أبُو عَمْرٍو بتسكين الميم من {آدَم} قبل بَاءِ {بالْحَقِّ}، وكذا كل مِيمٍ قبلها مُتَحرك، وبعدها بَاء، ومعنى الكلام: واتْلُ عليهم نبأ ابْنَيْ آدم بالغَرض الصحيح، وهو تَقْبِيح الحسد، والبَغْي وقيل: لِيَعْتَبِرُو به لا لِيَحمِلُوهُ على اللَّعِبِ، كالأقاصيص التي لا فائدة فيها، وهذا يَدُلُّ على أنَّ المقصود من ذكر القصص العبرةُ لا مجرَّد الحكاية، لقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الألباب} [يوسف: 111].
قوله تعالى: {إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا} فيه ثلاثةُ أوجهٍ:
أحدها: وبه بدأ الزَّمخشريُّ، وأبو البقاء: أن يكون متعلِّقًا بنفس النَّبأ، أي: قصّتُهما، وحديثهما في ذلك الوَقْت، وهذا وَاضِح.
والثاني: أنه بَدلٌ من {نبأ} على حَذْف مضافٍ، تقديره: {واتْلُ} عَلَيْهِم النَّبأ ذلك الوقت، كذا قدَّره الزَّمَخْشَرِيُّ.
قال أبُو حَيَّان: ولا يجُوز ما ذكر؛ لأن {إذْ} لا يُضَاف إليها إلا الزَّمانُ و{نبأ} ليس بزمان.
الثالث: ذكره أبُو البَقَاءِ أنه حال من {نبأ} وعلى هذا فيتعلق بِمَحذُوف، لكنَّ هذا الوجه غَيْر وَاضِح.
قال أبو البَقَاء: ولا يجوز أن يكون ظرفًا لـ {اتْلُ}؛ قلت: لأنَّ الفعل مستقبل، و{إذ} وقت ماضٍ، فكيف يَتلاقَيَان؟ و«الْقُرْبَانُ» فيه احْتِمَالان:
أحدهما: وبه قال الزَّمَخْشَرِيُّ: «أنه اسم لما يُتَقَرَّبُ به، كما أنَّ الْحُلْوَانَ اسم ما يُحَلَّى أو يُعْطى».
يقال: «قَرَّبَ صَدَقةً وتقرَّب بها»؛ لأن «تقرَّب» مطواع «قرَّب».
قال الأصْمَعِيُّ: تقربوا «قِرْفَ القَمع» فيعدَّى بالباء حتى يكون بمعنى: قَرَّبَ، أي: فيكون قوله: {إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا} يَطْلُبُ مُطَاوِعًا له، والتَّقْدِير إذْ قَرَّبَاهُ، فتقرَّبا بِهِ وفيه بُعْدٌ.
قال أبُو حَيَّان: «وليس تقرَّب بصدقة مطاوع «قَرَّب صدقة» لاتحاد فاعل الفعلين، والمُطاوَعَةُ يَخْتَلِفُ فيها الفاعل يكونُ من أحدهما فعل، ومن الآخَرِ انفعال، نحو: كَسَرْتُه فانكسر، وفَلَقْتُه فانْفَلَق، فليس قَرَّبَ صَدَقَةً، وتقرَّبَ بها، من هذا البَابِ، فهو غلط فَاحِشٌ».
قال شهاب الدِّين: وفيما قاله الشَّيْخ نظر؛ لأنَّا نُسَلِّم هذه القاعدة.
والاحتمال الثاني: أن يكون في الأصْل مَصْدرًا، ثم أطلق على الشيء المُتقرّب به، كقولهم «نَسْج اليَمَن»، و«ضَرْب الأمير».
ويُؤيِّد ذلك أنه لم يُثَنِّ، والموضعُ موضعُ تَثْنِية؛ لأنَّ كلًا من قَابيل وهَابيل له قُرْبان يَخُصُّه، فالأصل: إذ قَرَّبا قُرْبَانين ولأنه لم يُثَنِّ لأنه مصدر في الأصل، وللقائل بأنه اسم ما يتقرّب به لا مصدر أن يقول: إنما لم يُثَنِّ؛ لأن المعنى- كما قاله أبو عَلِيّ الفَارسيّ-: إذ قَرَّبَ كلُّ واحدٍ منهما قُرْبَانًا، كقوله تعالى: {فاجلدوهم ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] أي: كل واحد منهم.
قال ابن الخطيب: جَمَعَها في الفِعْل، وأفرد الاسْم ليستدل بِفِعْلهما على أنَّ لكلِّ واحدٍ منهما قُرْبانًا.
قوله تعالى: {قال لأقْتُلَنَّك}، أي: قال الذي لم يتقبل منه للمَقْبُول منه.
وقرأ الجمهور {لأقْتُلَنَّك}، أي: قال الذي لم يتقبل منه للمَقْبُول منه.
وقرأ الجمهور {لأقتلنَّك} بالنون الشديدة، وهذا جوابُ قسم مَحْذُوف وقرأه زيدٌ بالخفيفة.
قال أبُو حَيَّان: إنما يتقبل الله مَفْعُوله مَحْذُوف، لدلالة المعنى عليه، أي: قرابينهم وأعمالهم ويجُوزُ ألاَّ يراد له مَفْعُول، كقوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أعطى واتقى} [الليل: 5]، هذه الجُمْلَة قال ابن عطيَّة: «قبلها كلام محذوف، تقديرُه: لِمَ تَقْتُلني وأنا لم أجْنِ شيئًا، ولا ذَنْبَ لي في تَقَبُّلِ الله قرباني بدون قربانك»؛ وذكر كلامًا كثيرًا.
وقال غيرُه: «فيه حذفٌ يَطُول» وذكر نحوه: ولا حَاجَة إلى تقدير ذلك كلّه؛ إذ المعاني مفهومَةٌ من فَحْوَى الكلام إذا قُدِّرَتْ قَصِيرةً كان أحْسَن، والمعنى هنا: لأقْتُلَنَّك حَسَدًا على تَقَبُّل قُرْبَانك، فَعَرَّضَ له بأن سَبَبَ التَّقَبُّل التَّقْوى.
وقال الزَّمَخْشَرِيُّ: «فإن قلت: كيف كان قوله: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ المتقين} جوبًا لقوله: {لأقْتُلَنَّكَ}؟.
قلت: لمَّا كان الحَسَدُ لأخيه على تَقَبُّل قربانه هو الذي حَمَلَهُ على توعُّده بالقَتْل، قال: إنَّما أتَيْت من قبل نفسك لانْسِلاَخها من لِبَاسِ التَّقْوَى»
انتهى.
وهذا ونَحْوه من تَفسِير المَعْنَى لا الإعْرَاب.
وقيل: إن هذه الجملة اعْتِرَاض بَيْن كلام القَاتِل وكلام المَقْتُول والضَّمِير في {قال} إنَّما يعود إلى الله تعالى، أي: قال الله ذلك لِرَسُوله، فَيَكُون قد اعْتَرض بقوله: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله} بين كلام قابيل وهو: {قال لأقْتُلَنَّكَ}، وبين كلام هَابِيل وهو: {لَئِنْ بَسَطْتَ} إلى آخره، وهو في غاية البُعْد لِتَنافُر النَّظْم. اهـ.

.تفسير الآية رقم (28):

قوله تعالى: {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما وعظه بما يمنعه من قتله ويقبل به على خلاص نفسه، أعلمه ثانيًا أن الخوف من الله مَنَعَه من أن يمانعه عن نفسه ملينًا لقلبه بما هو جدير أن يرده عنه خشية أن تجره الممانعة إلى تعدي الحد المأذون فيه، لأن أخاه كان عاصيًا لا مشركًا، فقال مؤكدًا بالقسم لأن مثل ما يخبر به عظيم لا يكاد يصدق: {لئن بسطت إليّ} أي خاصة {يدك لتقتلني} أي لتوجد ذلك بأيّ وجه كان، ثم بالغ في إعلامه بامتناعه من الممانعة فقال: {ما أنا} وأغرق في النفي فقال: {بباسط} أي أصلًا، وقدم المفعول به تعميمًا، ثم خص المتعلق لمناسبة الحال فقال: {يدي إليك لأقتلك} أي في أيّ وقت من الأوقات، ولعله أتى بالجملة الاسمية المفيدة لنفي الثبات والدوام أدبًا مع الله في عدم الحكم على المستقبل، ثم علله بقوله: {إني أخاف الله} أي أستحضر جميع ما أقدر على استحضاره من كماله، ثم وصفه بالإحسان إلى خلقه ليكون ذلك مانعًا له من الإساءة إلى أحد منهم فقال: {رب العالمين} أي الذي أنعم عليهم بنعمة الإيجاد ثم التربية، فأنا لا أريد أن أخرب ما بنى، وهذا كما فعل عثمان رضي الله عنه. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ} الآية.
أي لئن قصدت قتلي فأنا لا أقصد قتلك؛ فهذا استسلام منه.
وفي الخبر: «إذا كانت الفتنة فكن كخير ابني آدم» وروى أبو داود عن سعد بن أبي وقاص قال قلت يا رسول الله: إن دخل علي بيتي وبسط يده إلي ليقتلني؟ قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كن كخير ابني آدم» وتلا هذه الآية: {لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي}.
قال مجاهد: كان الفرض عليهم حينئذ ألاَّ يَسْتلّ أحد سيفًا، وألا يمتنع ممن يريد قتله.
قال علمائنا: وذلك مما يجوز ورود التعبد به، إلا أن في شرعنا يجوز دفعه إجماعًا.
وفي وجوب ذلك عليه خلاف، والأصح وجوب ذلك؛ لما فيه من النهي عن المنكر.
وفي الحشوية قوم لا يجوّزون للمصول عليه الدفع؛ واحتجوا بحديث أبي ذَرّ، وحمله العلماء على ترك القتال في الفتنة، وكف اليد عند الشبهة؛ على ما بيناه في كتاب «التذكرة» وقال عبد الله بن عمرو وجمهور الناس: كان هابيل أشدّ قوّة من قابيل ولكنه تحرج.
قال ابن عطية: وهذا هو الأظهر، ومن هاهنا يقوى أن قابيل إنما هو عاصٍ لا كافر؛ لأنه لو كان كافرًا لم يكن للتحرج هنا وجه، وإنما وجه التحرج في هذا أن المتحرج يأبى أن يقاتل موحدًا، ويرضى بأن يظلم ليجازى في الآخرة؛ ونحو هذا فعل عثمان رضي الله عنه.
وقيل: المعنى لا أقصد قتلك بل أقصد الدفع عن نفسي، وعلى هذا قيل: كان نائمًا فجاء قابيل ورضخ رأسه بحجر على ما يأتي ومدافعة الإنسان عمن يريد ظلمه جائزة وإن أتى على نفس العادي.
وقيل: لئن بدأت بقتلي فلا أبدأ بالقتل.
وقيل: أراد لئن بسطت إلي يدك ظلمًا فما أنا بظالم؛ إني أخاف الله رب العالمين. اهـ.